29Feb

قصة إيثار السجين “حمزة”الأمريكي غزة، ودور التنظيمات الشعبية في التغيير.

تعرضتُ مؤخرا ( هذا الأسبوع ) لقراءة مطولة كجزء من فصل دراسي أحضره. تطلبت مني التعامل مع كتاب :
“” Blessed Are the Organized: Grassroots Democracy in America”
وقراءات أخرى…
وخلال جلسات النقاش لم أكنْ متفائلا بالدور والتغيير الجذري الذي يمكن أن تلعبه التنظيمات الشعبية العادية، مالم تكن مستندة على نوع من “السلطة”( لا أعني الحكومة ، أعني القوة). لكنْ، وبعد تأمل غيرتُ وجهة نظري، وأعتقد أن التجمعات الشعبية العادية المنظمة قد تلعب دورا مهما. قد لايكون ذلك الدور محوريا وبإمكانه إجراء تغييرات جوهرية على المدى البعيد، ولكن يمكنها أنْ تُحدثَ تغييرا إيجابيا لا محالة! وهنا مثال ٌ حيٌ لتلك التغييرات التي يمكن أن تُحدث:
هذا السجين تبرع بملغ 17$ أي ما يعادل عمل 136 ساعة من حياته! مقابل 0.13 سنتًا لكل ساعة عمل شاقة، وقد تبرع بكل ذلك للضحايا في “غــZـزة”. بعد انتشار الخبر ظهرت حملة تبرعات نُظمت على الانترنت جمعت لهذا السجين مبلغ يعادل $102,187 (أكثر من مائة ألف دولار أمريكي)، مع حركة لمحاولة تحريره من السجن والمطالبة بإعادة النظر في قضيته. كونه سُجن وهو في عمر الطفولة… وبما أنه من خلفية سمراء فنحن نعرف كيف تتعامل منظومة ” العدالة الأمريكية” مع الأفارقة الأمريكيين السُّمر!
( لحسن حظه وعلى الأرحج، سيتمكن هذا السجن من الحصول على الحرية المشروطة ويمكنه أن يتنفس الهواء خارج أروقة السجين نهاية هذا الشهر)
قضى هذا السجين حتى الآن أكثر من 40 سنة في السجن. وهي فترة ليست غريبة في سجون أمريكا، حيث، وخلال +7 سنوات من إقامتي في الولايات المتحدة حَصَرت واحتفظتُ في يومياتي بأكثر من 18 حالة قضى أصحابها مابين 16-35 سنة في السجون الأمريكية قبل أن يُطلق سراحهم لاحقا بسبب ظهور أدلة تثبتُ براءتهم. العامل المشترك الوحيد بين كل هؤلاء هو أنهم أفارقة أمريكييون وحالة واحدة كانت لشخص غير افريقي لكنه مسلم من أصول باكستانية .!
أورد هذه القصة هنا ، ليس للتقليل من عمل جيفري ستاوت ولا من كتابه : “Blessed Are the Organized: Grassroots Democracy in America، ولا من محاججته المبنية أساسا على تجربة مأساة إعصاركاترينا وتدمير وإعادة بناء مدينة نيو أورلينز New Orleans..ودور التنظيمات الشعبية في ذلك…
لكن أيضا ليس اتفاقا معه في المحاججة مائة بالمائة. وإنما تصحيحا لنفسي وإعادة التفكير في بعض الأمور التي كنت أحاجج بها ضد أطروحته… ولو أنَّ سبب محاججتي متعلقٌ في الأساس بـدلالات “الديمقراطية” و “الأخلاق” المذكورة كثيرا في كتابه. وليس بالضرورة ضد فكرة دور التنظيمات الشعبية….
أمّا حمزة ( صاحبنا السجين) فقد عاش نحو 40 سنة في السجن حتى الآن، لقد عاد إلى فطرته الأولى حسب بعض التعبيرات، وأصبح مسلماً كما يقول. يطالب حمزة بالإفراج المشروط، وبفضل تنظيمات شعبية من بعض الخيرين وبعض الجمعيات الإسلامية الحرة وغيرها في كالفورنيا فسيستمتع حمزة بإفراج مشروط خلال شهر تقريبا حسب آخر منشور قرأته لإحدى الجمعيات المعنية بحالته.
بعد أن انتشرتْ قصته وتبرعه الكبير البالغ 136 ساعة عمل (17$)، نشر حمزة رسالة لكل أحرار العالم. وسيكون لي الشرف أن أترجمها كما هي ولو بطريقة غير موغلة في الحرفية:

الخلاصة:

إخوتي أخواتي،

في الخلق والإيمان،

هآنذا أتوجه إليكم وبكل تواضع وتقدير وامتنان. أحييكم بتحية الإسلام ( السلام عليكم ورحمة الله).

أود أنْ أشكركم جميعا على كلماتكم الطيبة، ودعواتكم، وعلى كرمكم. ..لقد أثبت ذلك كله حقيقة النور الإلاهي.. نور الله المضيء، وروحه التي وهبها أبانا (النبيلُ الأول) آدم.

إن روح المحبة غالبة لا محالة، وستجلي عتمة الدجى. (“فلا بد لليلِ أنْ ينجلي ولا بدَّ للقيدِ أن ينكسر”.)

أخوتي،

هآنذا غريبٌ كليا عن معظمكم، اللهم عنْ أولئك الذين يشاركونني الروح النقية، أو بمن تربطهم بي أواصر علاقات خاصة.

أسأل الله الكريم أن تسعكم جميعا رحمته.

يقول القرآن الكريم. :” هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ” ( الرحمن 60)، وكما في العهد الجديد سفر العبرانيين :”اُذْكُرُوا الْمُقَيَّدِينَ كَأَنَّكُمْ مُقَيَّدُونَ مَعَهُمْ، وَالْمُذَلِّينَ كَأَنَّكُمْ أَنْتُمْ أَيْضًا فِي الْجَسَدِ.” (آية 3)

أخوتي،

أنا شاكرٌ لكم سعيكم جميعا، ومن أعماق قلبي أود أن أعبّر لكم عن تقديري لكرمكم ولطفكم في التبرع السخي للمساعدة في إطلاق سراحي من السجن. ومع ذلك، أجد لزاما عليَّ أن أطلب من كل واحد منكم الآن أن يفكر في معاناة أولئك الأطفال والأمهات والآباء في فلسطYــن واليمن وافريقيا، ممّن(مِنْ مَنْ) يعانون ظروفا غير إنسانية، حيث يتم قصفهم كل ساعة وكل حين. هم هناك حيث لا ماء، لا مأوى ، لا دواء ولا طعام! أولئك الأشخاص العاديين. إنهم مثلكم تماما لا علاقة لهم بالسياسة ولا بالسياسيين. ولكنهم يعانون بشكل فظيع ويعيشون ظروفا غير إنسانية على الإطلاق.

إخوتي،

وكما منحتموني حبكم وأموالكم، أرجوكم امنحوهم بنفس القدر، ثم لا تسنوا أن تذكروهم – وبقوة – في دعواتكم . وأثبتوا لهم أن جميع عباد الله متساوون في الخليقة، وأن حياة إخواننا وأخواتنا في فلسطYـين ثمينة بل ومحرمة بنفس قدر حياة الإسرائــyيلYيـنْ!

. والسلام.! – حمزة


تلك هي رسالة حمزة، ومن خلالها رسالة الحرية ، وقبلهما حقيقة أنَّ العدالة حقٌ مشروع للجميع. وأنه لا يمكننا التغاضي عن والتقاعس عن الدور الذي يمكننا أن نلعبه حتى ولو بالتبرع بمبلغ ضئيل في نظر البعض كما فعل الأستاذ حمزة.
ولقد جاء في الأثر :” لا تحقرّنَ من المعروف شيئا، ولو أن تلقى أخاك بوجه طَلِقْ”.!

أما حوارات الأكاديمية ونظرياتهم، فلا أعتقد أنها تبدي جدوائية كثيرة هذه الأيام، في ظل كسر احتلال غاشم لكل القواعد البشرية والقيّمية المتعارف عليها. ورغم ذلك، لم يستطع أن يطمس نورَ العدالة ، أو نور الله كما أسماه السجين الحر حمزة- وأصبح موضوع القضية على كل لسان وفي كل قلب!

حمزة برسالته هذه، وآرون بوشنل برسالته الأخرى، يثبتان للجميع أن الأحرار في “توادهم وتعاضدهم كالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى”!

Share this Story

© Copyright 2014-2024, All Rights Reserved