2Sep
تعاطفا مع الشاب الخليجي الذي لم يتزوج تفرغا للعبادة!

تعاطفا مع الشاب الخليجي الذي لم يتزوج تفرغا للعبادة! ( تدوينة هزلية)

هذا هو أطرفُ  شيء قرأته قبل ساعات، ومن حينها وأنا أحاول أن لا أكتب شيئا، لكني وفي وجود أول فرصة وجدتني أكتب هذا الذي ترى! ولعها حماسة “الأعزب” أو انتصارا للشاب الكويتي الذي اختار أن لايتزوج “للتفرغ للعبادة” 😊

صورة من الخبر كما نشرتها على صفحة انستغرا

..إنه لعذر جميل ولو أنه -غير منطقي جدا – حقيقة أن بعضا من الشباب الكويتين يعزون عدم زواجهم إلى رغبتهم في “التفرغ للعبادة “😊حسب الخبر أعلاه.

ولكن هل يمكننا تبرير موقفهم هذا تراثيا؟ نعم، كيف؟ دعك معي وسترى!

في الحقيقة، كان أهل العلم يهتمون بتحصيل العلم أكثر من العبادة ، إذ أن أسمى عبادة لديهم هي البحث المعرفي ، ومطاردة المعلومة والحقيقة.

وربما هذا الذي جعل كثيرا من الأسماء الكبيرة لم تتزوج مطلقا، أو تزوجوا ثم تطلقوا ولم يعودوا إلى الزواج أبداً .

مثل: ابن النفيس (1213-1288) ، والنووي (1233-1277)، وابن جرير الطبري(839-923) ، وابن تيمية (1263-1328)، وصديقنا العزيز أبو العلاء المعري(973-1057) ،ويروى عن صديقنا الآخر اللغوي والحاذق العظيم الزمخشري (1075-1143) عدم الزواج، كما يروى عنه الطلاق مبكراً . ومن السيدات المعروفات المتصوفة رابعة العدوية (717- 796)، والفقيهة المعروفة كريمة المروزية (-975 1070)

.. ومن غير العرب والمسلمين نيوتن وغيرهم…

وقد كثرتْ تبريرات بعضهم، ولو أنها كلها منصبة على نقطة واحدة رئيسية، ليست كما برر به بعض “الشباب” في هذا الخبر “الانشغال بالعبادة”؛ ولكن كانت الانشغال بالمعرفة والبحث وحب الاطلاع.

فقد نُسب للزمخشري شفقته على المتزوجيين، وشعوره بالأسى اتجاهم في قوله :

“تزوجتُ لم أعلم وأخطأتُ لم أصب // فياليتني قد متُّ قبل التَّزوُجِ!!

فوالله ما أبكي. على ساكني الثرى// ولكنني أبكي على المتزوج.”!!
( لي صديق عمل معارضة شعرية جميلة لهذه الأبيات بها تضمينات طريفة، لا يناسب المقام نشرها هنا ).

وحين جودل في أهمية وجود رفيقة رحيمة تشارك الحياة، واللحظات الجميلة قال أبياته المشهورة 🙁 تنسب أيضا لتاج الدين السُبكي كما تنسب في مصادر أخرى للشافعي) وأحسها من شعر الزمخشري:

سَهَرِي لِتَنْقِيحِ الْعُلُومِ أَلَذُّ لِي … مِنْ وَصْلِ غَانِيَةٍ وَطِيبِ عِنَاقِ

وَتَمَايُلِي طَرَبًا لِحَلِّ عَوِيصَةٍ … أحلى وأشهى مِنْ مُدَامَةِ سَاقِي

وَصَرِيرُ أَقْلَامِي عَلَى صَفَحَاتِهَا … أَشْهَى مِنْ الدَّوْكَاءِ وَالْعُشَّاقِ

وَأَلَذُّ مِنْ نَقْرِ الْفَتَاةِ لِدُفِّهَا … نَقْرِي لِأُلْقِيَ الرَّمْلَ عَنْ أَوْرَاقِي..

أأبيتُ سهرانَ الدُّجا وتبيته نوما وترجو بعد ذاك لحاقي؟!”

وقد يجادل من يعارضون هذه الفكرة أن الإنسان مرهون بالولد، فالأطفال نعمة وهبة. هذا صحيح. لكن للزمخشري رأي أيضا في هذا. فهو يرى أن الولد ( إنجاب الأطفال) أيضا “مدعاةٌ للبُخل”، بحيث أن الشخص سيضنّ بماله على نفسه من أجل إبقائه لأطفاله. كما أنه من مسببات الحزن والخوف إذ أن من أنجب سيقلق على مستقبل أطفاله ومصيرهم في حياته وبعد موته!!

 

وفي رده على محاججة أن إنجاب الأطفال وحده مقنع للقدوم على “مغامرة” الزواج، قال الزمخشري إنه بحث في أحوال الناس فما وجد كثيرا من أطفالهم “يرفعون الرأس” وإنما يجلبون الفضيحة لوالديهم، لذلك ترك تلك الحياة واختار عدم الزواج والإنجاب مطلقا أو ما اسماه ” سيرةً مسيحية”! :

“تصفحت أولاد الرجال فلم أكد أصادف من لا يفضح الأم والأبا

رأيت أبا يشقى لتربية ابنه  ويسعى لكي يدعى مكيسا ومنجبا

أراد به النشء الأغر فما درى  أيوليه حجرا أم يعليه منكبا

أخو شقوة ما زال مركب طفله  فأصبح ذاك الطفل للشر مركبا

لذاك تركت النسل واخترت سيرة  مسيحية أحسن بذلك مذهبا.”!!!

 

وشبيهٌ بهذا ما ينسب للبُستي 1010-942 حين اعتبر أن أهم طفل تخلفه وراءك هو أبحاثك وفلسفتك وكتاباتك فقال:

يقولونَ ذِكرُ المَرءِ يبقى بنَسلِهِ // وليسَ لهُ ذكرٌ إذا لم يكُنْ نَسْلُ

فقلْتُ لُهمْ نسلي : ودائعُ حكَمتي //فَمنْ سرَّه نَسلٌ فإنّا به نَسلو!!

والزمخشري نفسه كان يقول إنه يعتبر مؤلفاته وكتبه التي ترك وراءه “أطفالا” يفضلهم على الأطفال البيلوجيين! :

حسبي تصانيفي وحسبي رواتها … بنين، بهم سيقت إلى مطالبي“!

وبالفعل فقد ترك الزمخشري أكثر من 50 طفلا ( كتابا) من تألفيه في مجالات مختلفة !!

وكان نيتشه يقول “إن الفيلسوف الحقيقي ينتهي بإنجابه لأول ولد”.! وربما هذا يشابه ما أشار إليه عمر ابن الخطاب “(تَفَقَّهُوا قَبْلَ أَنْ تُسَوَّدُوا” أي اطلبوا العلم والمعرفة قبل أن تتزوجوا! فتصبحوا أرباب بيوت فتشغلكم المسؤولية عن البحث والمعرفة!!

ولم يقتصر الموضوع على هذا وحسب، فهناك من اعتبر الزواج عائقا في وجه المعرفة. عمّ أحد أصدقائنا المشهورين”: كارل ماركس” كان يرى أن من يريد أن يتصدى للقضايا العامة ويتحمل المسؤولية ” عليه أن لا يتزوج وينجب”!! ومع ذلك فهو أول من لم يعمل بنصيحته ( كعادة اليساريين )، فقد تزوج على أية حال 😊 !

أما في التراث العربي فقد اعتبر كثير من العلماء الزواج “قيدا” يقيّد صاحبه عن الاكتشاف والبحث . فقد روي أنهم إذا أرادوا أن يحيلوا بين شخص وكثرة السفر والكتابة زوَّجوهُ وحينها يستسلم ويقبل ” القيد“!!!

وقد يكون من الطريف في هذا رواية البَيْتيْن الذيْنِ نقلهما أبو منصور الثعالبي (961-1038) في كتابه اللطائف والظرائف حين قال:”  إن ذئبا كان ينتاب بعض القرى ويعبث فيها، فترصده أهلها حتى صادوه، وتشاوروا في تعذيبه أوقتله… وبعد آراء كثيرة خلصوا إلى نصيحة أحد المتزوجين الذي اقترح عليهم ” أن يُزوجوا الذئبَ، وكفى بالتزويج تعذيبا”

ربّ ذئب أخذوه /  وتماروا في عقابه
ثم قالوا زوّجوه /  وذروه في عذابه!!

( أي لا تقتلوه، فقط زوجوا الذئب وسيعرف معنى العذاب)!

 

لكن أخطر كل المقولات هذه هو ماقاله المعري :

خِصاؤُكَ خَيرٌ مِن زَواجِكَ حُرَّةً   فَكَيفَ إِذا أَصبَحتَ زَوجاً لِمومِسِ؟!!

وَإِنَّ كِتابَ المَهرِ فيما اِلتَمَستَهُ   نَظيرُ كِتابِ الشاعِرِ المُتَلَمِّسِ

فَلا تُشهِدَنَّ فيهِ الشُهودَ وَأَلقِهِ   إِلَيهِم وَعُد كَالعائِرِ المُتَشَمِّسِ

وَلُبسُكَ ثَوبَ السَقمِ أَحسَنُ مَنظَراً   وَأَبهَجُ مِن ثَوبِ الغَويِّ ” *المُعرِّسِ”!

*في النص الأصلي ” المُنَمِّسِ” وقد تصرفتُ فيها ليسهل الوصول إلى المقصود

وطبعا المعري لا يقصد ما قد تفهمه من ظاهر النص وإنما المقصود كثرة المسؤوليات والتعقيدات الاجتماعية التي قد يحدثها الزواج ( البيروقراطية الاجتماعية)!

وقد سمعتُ مرة من أحد أساتذتي – ممن أحترمهم كثيرا – وهو محامي معروف، كان يدرسنا مادة المدخل إلى علم القانون،  قال بالحرف ” إن ابن رشد كان باحثا جادا ، وأنه ماترك البحث والدراسة والمذاكرة طول حياته،من مراهقته إلى وفاته إلا مرتين : واحدة كانتْ ليلة وفاة والده، والثانية كانت ليلة زواجه”! ولو لمْ يتزوج ابن رشد لما توقف عن البحث والمذاكرة ليلة ً واحدة!!

وقد سمعتُ من متزوجين أن أداءهم المعرفي قلّ بعد الزواج. وكتجربة شخصية، راقبتُ سلوك بعض أصدقائي المقربين ممن أتنابز معهم معرفيا، فلاحظتُ أنه كلما تعمق الواحد منهم في مسؤوليات الزواج، كلما قلَّ حسُّه التحليلي والنقدي وضعف نَفَسُهُ في المحاججة والجدل المعرفي! وبعضهم صار يرثى لحاله المعرفي!

 

الخلاصة :

 

هذا منشور غير جدي، ولا ينبغي أن يأخذ خارج التعليق السريع على الخبر السابق. ولو أنَّ به بعضا من القصائد والأبيات الجميلة التي قد يكون من المفيد جمعها وتدارسها حتى لا تضيع. فهي في النهاية أدب. وكما يقول أحد وزراء تونس في عهد بورقيبة :”الأدب خيرٌ من قلة الأدب“.!

ثم إنه لا رأي لدي في هذا الموضوع إطلاقا. وكل ما هناك أنها مسألة شخصية اختيارية لا أفضل التعليق عليها خارج إطار المزاح والسخرية ومدارسة الأدب لا أكثر.

فمن شاء فليتزوج ومن شاء فليبرّر عدم زواجه بما شاء وكيف شاء! كما فعل بعض الشباب الكويتين في تلك الدراسة!

وتلك هي الخلاصة!

 

*نشر هذا المنشور على صفحة انستغرام. لا أنشر كل شيء هناك هنا.

© Copyright 2014, All Rights Reserved