يصادف غدا الاثنين عيد مارتن لوثر كينج!(1929-1968) ، وهو عيد فدرالي ما يعني أنه عيد رسمي على مستوى كل الولايات.
تـُصَمِّمُ الجامعات والمدارس الحكومية والخاصة جداولها بناء على ذلك مسبقا، كما يعتبر عطلة رسمية مدفوعة الأجر! ورغم الجذور التاريخية التي مر بها هذا العيد قبل إقراره النهائي من طرف الكونجرس في العقود الأخيرة؛ إلا أنَّ سؤالا يلح دائما على المراقب حين يمر هذا العيد وهو: لما لا يوجد عيدٌ بنفس المستوى لمالكومْ إكس؟!
ظهر هذا النص أولا على صفحة الانستغرام :
View this post on Instagram
عاش مالكون اكس (1925-1965) نفس ظروف الدكتور مارتن لوثر كينج، بل أسوأ منها، لقد تعرض للاغتيال وقبله للمراقبة والشيطنة والتشويه.. كما تم حرق منزل عائلته، وتصفية والده من طرف جماعة عنصريين من البيض عبر تهشيم رأسه ورميه أمام حافلة ! هذا فضلا عن تشتيت وتشريد العائلة الذي ساهمت فيها الظروف النفسية التي مرتْ بها والدته بعد الصدمات المتتالية التي لحقت بالعائلة. والتي أودت بها لأن تعيش مجبرة في مستشفى “للأمراض النفسية” قبل أن ينقذها ابنها لاحقا بعد أكثر من عقدين من الزمن!
سُجن مالكومْ إكسْ بتهمٍ تمت المبالغة فيها، وحَرضَّ الادعاء العام بعض الفتيات البيض على الكذب واتهامه بالاغتصاب وغير ذلك…!
عاش مالكومْ كثيرا من حياته في السجن قبل أن يخرج منه مناضلاً مؤثرا، وناشطا حقوقيا قويّا وكاتبا ومفكرا عميقا وسليقا مُتحَدِّياً في كل الحالات… ومع كل ذلك لا يكادُ يُذكر في الذاكرة الجمعوية الرسمية ولا يُتعامل معه بنفس الجدية التي يُتعامل بها مع الدكتور مارتن لوثر كينج!
رغم أن الناشِطيْنِ قد ناضلا معاً وإن بطرق مختلفة. فقد فضَّل مارتن لوثر كينج طريق “ما لا يدرك كله لا يترك كله”.. بينما فضل مالكوم إكس طريقة “شرط النهايات تصحيح البدايات “!
كلاهما عومل معاملة سيئة وتعرضا للتنمر والتمييز ، فالعنصرية الأمريكية لا تعرف العدالة إلا في التمييز… ومع ذلك يُكافئ “النظام الجندبي” اليوم أحدهما دون الآخر.. فما السبب يا تُرى؟!!
السبب ياعزيزي – وبشكل مختصر- يمكن حصره في كلمة واحدة هي : “المقاومة/ التحدّي” ومشتقاتها!
كان مالكوم إكس جريئا وثوريا ومُقاوماً مُضحيّا، وغير مُتقبل للحلول الجزئية، في حين كان مارتن لوثر كينج يحاول العمل من داخل النظام نفسه، ومعترفاً بالواقع الذي فرضته النخبة السياسية المسيطرة حينها…
لا أريد الانتقاص هنا من جهود الدكتور مارتن لوثر كينج، ولكن ما أعنيه هو أن مالكومْ اكس كان مُتحدِّيا للنظام ككل، وواعيا بالحقيقة المرة التي يعيشها مجتمعه، فضلا عن حقيقة أنه “مسلم” وهذه ربما تكون هي مربط فرس هذا التمييز أيضا!!
لقد صوّرتْ السردية ” الجندبية” مالكومْ إكس كما لو كان عاطفيا وعنيفا ومتخلفا و كارهاً للبيض( للآخر)، ومادام كذلك فهو لا يستحق الخلود!
…أتذكر حين كنت أعمل في إحدى المدارس الحكومية الامريكية قبل نحو 5 سنين ، كنت أدرّسُ في جامعة جنوبية أو بالأحرى أول جامعة حكومية أمريكية عامة… أتذكر حينها أني كنت محظوظا بطلبة متميزين ومتنوعين.. ولم يكن الفصل مجرد فصل لغوي محض، بل كان يتطرق لعدة مواضيع ثقافية وسياسية وأدبية… وأتذكر كيف تعاملنا مرة مع شخصية مالكوم إكس وكان السؤال يدور حول مقارنة بينه وبين الدكتور كينج. كانت طالبة مميزة حينها ترد بكل حماس وانفعال أنه لا يمكن المقارنة بين الاثنين.
فمن “اختار طريق العنف لا يشبه أبداً من اختار طريق السلام” !!
وطبعا، هي تقصد “بطريق العنف” مالكوم إكس!!
إن جواب تلك الطالبة البريء في نظري هو مكنون القصة. نجح النظام “الجندبي” في خلق دِلالاته الخاصة في تحديد ما هو العنف وما هو السلام! ومَنْ هو العنيف ومَن هو المُسالم؟ وبناء على هذا يستطيع تهئية الظروف لمنْ يستحق الاحتفاء به ومن لا يستحق!
وهذا مصداق لحقيقة أن نفس النظام الذي مارس التمييز ضد الاثنين معاً لايزالُ مستمرا، لم يتغير فيه إلا وجهه الخارجي ومحاججاته التبريرية للقمع والتمييز. أما مكنون النظام نفسه ، وفلسفته الفوقوية التّسلطية فلا تزال كما هي! ويمكن قراءة ذلك في ممارسات النظام الحالية داخل أوخارج أمريكا!
تخلص النّظام، أو الظروف ، أو هما معاً من الرجلينْ، ولم يكن ذلك سوى بالاغتيال. غير أنه حاول التكفير عن أحد الجُرْمَيْنِ بتخليد ذكره في يوم وطني مشهود ولو بعد صراع طويل؛ بينما يحاول دفن ما تبقى من إرث الثاني عبر تناسيه وحذفه من السردية القائمة!