ها قد كتملت سنة، ونحن الآن في سنة جديدة. لا داعي لكثير من الضجر والندم، أو الفرح بالانجاز “المتُخيل”.. في كل الحالات- وكما أقول دائما- أنت لستَ في سباق مع أحد. أدرك لحظتك ولاتدع سطوة الإنتاج تُلزمك بما لم يلزمك به وقتك وجهدك وقَدَرُك واستطاعتك… إن وصولك إلى هذه اللحظة وأنت لازلت على قيد الحياة لاستقبال عام جديد, في نفس الوقت الذي لازلتً تحتفظُ فيه بإنسانيتك ومبادئك ووقوفك مع القضايا العادلة لهو نجاح بحد ذاته. لا أريد أن يُفهم كلامي هذا على أنه تثبيط ولكنّي لا أرى ضرورة في كثير من الحسابات المادية البسيطة التي أصبح سوق الانتاج يُلزمنا بها.!! إنها تحرمنا من التأمل في ذواتنا وترهن نجاحاتنا بنجاحات السوق الإنتاجية !! على أيٍ وكما قال المعرّي سابقا: “خفف الوطئ ما أُظُنَُ أديم الْـــ أرضِ إلا من هذه الأجسادِ”!!
الآن دعني أشارك معك شيئا من يومياتي التي لا أنشرها عادة.وهذه عبارة عن سؤال بسيط كنت أعيد طرحه أكثر من مرة على نفس الأشخاص خلال مدة +5 سنوات بأكثر من طريقة.. وفي أكثر من ظرف؛ حتى أدركت إجاباتهم الحقيقية على نفس السؤال المتكرر خلال تلك السنوات . وهاهي إجاباتهم هنا لعلّك تستفيد منها شيئا! أرفقتُ بآخر كل جواب معلومة عامة عن صاحبه ومعلومة عن دخله “السنوي” لكيْ تعرف علاقة مايبحث عنه الناس بالرضا والسعادة ! وعلاقة الندم بذينك أيضا!
“ نادمٌ على الإخفاق في قضاء بعض الوقت مع والدي في مرضه الأخير في نيوزيلاندا، وكنتُ أعمل حينها في السنة الأخيرة من الإقامة الطبية ( ريزيدنسي)؛ ولو عاد بي الزمن إلى الوراء لتركتُ تدريبي وذهبت إليه وقضيت معه أيامه الأخيرة… ثم لا يهمني بعد ذلك إن نجحت أو فشلتُ في فرصة أن أصبح جراحا في الولايات المتحدة. إن قضاء خمسة أيام معه قبل وفاته تسوي لي التنازل عن كل امتيازاتي الحالية ولا أبالي ماذا سأفعل بعد ذلك”.!
– دكتور جرّاح يعمل بإحدى ولايات الشمال الأمريكية الدخل السنوي مابين 320K-360K$
ندمتُ على غرور المثقف الذي تملكني حين ظننت انني قادر على العيش والتعامل مع كل موقف وكل حالة. هذا الغرور أودى بي إلى السجن !
لقد تزوجت من نفس ثقافتي ودولتي، ولكن في أول أسبوع “عسل” اكتشفتُ أن هذا الشخص قد لا يكون مناسبا لي ومع ذلك ملأني غرور العارف بأنني قادرٌ على حل المشكلة. وحتى ولو لم أكنْ فإنّ قيمي لا تسمح لي بطلاق سيدة في شهرها الأول خوفا من ألسنة الناس !
لقد اجتمع غرور العارف، وقيّم النّبيلِ عليَ فأرديا بي حتى وجدتني سجينا في إحدى مصلحيات السجون الكندية الباردة بعد عشر سنوات من ذلك الزواج!
ما كان هذا ليحدث لو أنني تخليتُ عن قيّم “الفتى النبيل” التي لا تتماشى وتعقيدات دولة الحداثة الغربية، وما كان ليحدث لو أنني أدركتُ أنني لا أسيطر على الكون بل لا أسيطر على أي شيء … ولستُ قادرا على إصلاح أي شيء!
نفس الشخص الذي ضحيتُ من أجله هو نفسه الذي أردى بي في السجن لمدة 3 أيام! بعد عشْرةِ عقد من الزمن وإنجاب 5 أطفال!
لقد عشتُ مناضلاً ثائرا، وكان الذهاب إلى السجن بالنسبة لي شرف؛ أما وقد زرته بصفة جنائية وأنا في كندا فهذا جرح غائرٌ لا يندمل!!
ومع ذلك لستُ نادماً على الزواج! ولكنني نادمٌ على غرور المثقف العارف الذي تمكنني وعلى قيّم النبيل التي استخدمتها في غير محلها!
-الدخل السنوي : غير معروف
أنا نادمٌ على الفترة التي كنت أقضيها مسافرا ومنشغلا بلقمة العيش لتوفير مستوى عال من الراحة لأطفالي وزوجتي. لقد كبُر الجميع الآن ولكنني لم أحظى بفرصة رؤيتهم بشكل يومي وهم يكبرون! كانت ظروف عملي تقتضي السفر لأشهر خارج الدولة وحين أعود أكتشف أن أحد ابنائي قد نبتت له سنّا وأن الآخر أصبح يحبو… لكنّ حلقات كثيرة من مراحل نموهم قد غابت عني! ولا يمكنني تعوضيها أبدًا!
– رجل أعمال مهاجر
الدخل السنوي وقت الإجابة : 190K-230K$
أنا نادمة على أنني بلغت منتصف الأربعين، ولا أمتلك “عائلة خاصة بي” . ( أطفال ، زوج…)!
-سيدة أعمال أمريكية صاحبة سلسلة مراكز تسوق محلية في إحدى ولايات الصقيع. الدخل السنوي فوق $300K
نادمٌ على أنّي لم أقضِ وقتا كبيرا مع أبي قبل وفاته. لقد شغلني العمل والطموح والسفر عن ذلك. منحتُ اسمه لابني البكر ولكنّني لازلت لم أتجاوز ندمي على الوقت الذي كان يمكن أن أقضيه معه قبل رحيله.!
–مدير بأحدى شركات الطاقة .
الدخل السنوي $350K+
أنا نادمة على أنني لم استمتع بحياة جدتي وجدّي ولم أتعلم كثيرا من قصصهم. وكان بودي لو كنت قد سجلت بعضا من أحاديثي معهم !
نادمة على أنني لم اختر طريقا مختلفا في أيام شبابي ( أنا الآن في الثلاثين من عمري)، أعمل مهندسة في القطاع الفدرالي الحكومي الأمريكي. إن الوظيفة لا تملأ شغفي ولا تمنحني المعنى الكامل لحياتي! كما أنّني لم أنجح في اختيار الشريك! ومع ذلك لا أعتبر نفسي إلا محظوظة ولا يوجد ما أندم عليه كثيرا غير هذا !!
– -مهندسة تعمل في القطاع الحكومي الفدرالي
الدخل السنوي وقت الإجابة: 86K
ندمتُ على الهجرة إلى أمريكا !. أنا مهاجر منذ أنْ كان عمري 25 سنة والآن قد وصلتُ عمر الـــ65 سنةً. لو عاد بي الزمن إلى الوراء لما هاجرتُ إلى أية دولة غربية ولعشت حيث ولدت وترعرعت!
-الدخل السنوي : غير معروف.
ندمت على زواجي وعلى إنجابي من ذات الزيجة، وعلى المصالح المادية والمعنوية التي كانت سببا في زواجي.! ولو عاد بي الزمن إلى الوراء لما تزوجت من أجل المصلحة ولضحيتُ بتلك المصلحة كيْ لا أتزوج إلا من اقتنعت بها روحيا وفكريا لا ماليا أو معنويا!.
– -صاحب شركة نقل. الدخل فوق 90K
لستُ نادما ً على أي شيء في حياتي! كل ما تم في حياتي كان يُفترض أن يتم بالطريقة التي تم بها! ومع ذلك أشعر بجرحٍ عميقٍ في داخلي حين يتعلق الأمر بتفويت كثير من الفرص التي أتيحت لي للجلوس أكثر مع عائلتي، ولم تسمح ظروف العمل والدراسة لي بذلك!. أما الآن فلا يمكنني إحياء الموتى!
– -أستاذ مهاجر في كندا الدخل السنوي غير معروف.
الخلاصة:لاحظتُ بناء على المعطيات البسيطة التي لدي أن أغلب ندم هؤلاء متعلق بأمور غير مادية كثيرا ! وبغض النظر على دخلهم السنوي لاحظت أن أحدا منهم لم يعلق على شيء متعلق بالمادة. رغم أنه من بين من استطلعتهم خلال تلك السنين من لايتجاوز دخله السنوي 40 ألفا في مقابل من يتجاوز دخله ربع مليون دولار سنويا!
كل الندم منصبٌ على أمور بسيطة ومعنوية ونِعَمٍ حولنا لا نلقي لها بالاً حتى نفقدها ! أو كما قال ابن عطاء الله :”مَنْ لَمْ يَعْرِفْ قَدْرَ الْنِّعَمِ بِوِجْدَانِهَا عَرَفَهَا بِوُجُوْدِ فُقْدَانِهَا”.!
تلك الأمور المعنوية يبدو أن العائلة هي أهمها. ويبدو أن بينها وبين الندم خيط ما! وهذا قد يكون مصداقا لدراسة هارفارد المشهورة حول السعادة! والتي وجدت “العلاقات الصحية” وقضاء الوقت مع العائلة والأصدقاء والمقربين أحد أهم خيوط السعادة!
https://www.instagram.com/p/C1qa9MaOfh8CUDIdu822E05LKrRFGiZMVKvcaM0/