انتقل اليوم إلى العالم الآخر الوزير الأمريكي المخضرم الأشهر صاحب التأثير القوي في السياسة الأمريكية خلال الحرب الباردة وما بعدها… هنري كسنجر عن عمر ناهز الــ100 عام.
وبما أن قائمة المعزيين ولاعقي ظهر الرجل الأبيض…ستتكفل بذكر كراماته وعظمته وإنجازاته السياسية، فإنني سأتكفل بذكر شيء آخر من الجانب الثاني المظلم من حياته …والذي قد يتجاوزه البعض ويعفو عنه، ولكنه في رأيي لايمكن تجاوزه أبدا. إذ أننا لازلنا نعيش نفس الأخطاء التي ارتكبها كيسنجر وندفع ثمنها اليوم في 🍉 وحول العالم.
إنه إمبراطور النموذج الأمريكي الحديث. حيث النجاح لا يرتبط مطلقا بأي قيمة أخلاقية أي تكن. كيسنجر ، خريج جامعة هارفارد، الوسيم الذي كثيرا ما تباهى بكثرة علاقاته الغرامية… قال مرة إنه “وبعد يوم طويل وشاق من العمل، سيكون هناك وقت جميل مع إحدى الجميلات”…( نعم إحدى الجميلات. ليست زوجة ولا حبيبة ولا حتى صديقة. جميلة نكرة)
إنما نطقتي كلها متعلقة بشيء آخر أراه أخطر من الغوص في حياته الشخصية ومغامراته. كيسنجر له دور كبير فيما حدث أثناء وبعد الحرب البادرة وفي إحدى أهم الحروب العربية مع الإ7ــتلال في سبعينيات القرن الماضي. فضلا عن حرب فيتنام ومشاريع الحد من النسل والعنصرية والتمييز وجرائم الحرب ومتعلقاتها جميعا.
أثناء مفاوضاته مع المقاومة الفيتنامية في باريس أصر السيد كسنجر على أن تمحو الطائرات الأمريكية خط كامل من القرى الفيتنامية بالقنابل الحارقة. وهو ما تم فعلا، في نفس اللحظة كان يظهر على التلفاز وهو يلاطف المفاوضين الفيتناميين ويظهر ابتسامته الصفراء تلك.
ساهم فتى الإمبريالية الراحل كيسنجر في مشروع ” التعقيم المتعمد” ضد النساء البرازيليات حيث وبسببه تم تعقيم أكثر من 20 مليون امرأة في سن الإنجاب (حواليْ 40% ) من النساء البرازيليات بحسب التقارير الحكومية.
لم يتم ذلك من خلال عصابة أو جيش محتل، وإنما من خلال منظمة تتظاهر بالإنسانية. إنها الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية USAID ووكالات أمريكية ودولية أخرى.
كان التعقيم يستهدف بالأساس البرازيليات من أصل افريقي .
وقد تتساءل لما يصر وزير “متحضر” وخريج جامعة عريقة مثل هارفارد على فعل مافعله ؟
يمكننا ببساطة فهم ذلك حين نعود إلى دراسة الخلفية التاريخية التي يأتي منها هؤلاء. إنهم لايأتون من فلسفة تعترف بمفهوم “الورع” أو الوازع الأخلاقي، إنها فلسفة مادية محضة. وضيقة جدا وغالبا تتأثر ببيئة مبنية على التفوق العرقي ورؤية الفضل على الغير.!
أنا لا أتحدث عن نظرية مؤامرة هنا، وإنما عن وثائق منشور ومعترف بها. يمكن مراجعة وثيقة مشروع/مذكرة “دراسة الأمن القومي 200” NSSM200 لتدرك ما أقصد.!
الخلاصة:
كسيجنر مجرد تجسيد لفكرة. فكرة الإنسان الجندبي الإمبريالي الخالي من أي قيّم بشرية قد تخطر على قلبك. ذات الإنسان الودود اللطيف الذي لا يأكل لحوم البقر ولا الغنم بسبب موقف “أخلاقي متعلق بقتل الحيوانات” لكنه في نفس الوقت لا يمانع من قتل ملايين البشر إن اقتضى الأمر ذلك.!!
هو نفس الإنسان الذي لايزيد العلم (ليس المعرفة) إلا سوءا وخطورة.