حديث السحر (9) : ديناً قيّما – تراويح اليلة 9 من رمضان
كما أقول دائما، هذه مجرد خواطر سريعة، أنشرها بشكل يومي على صفحتي الخاصة في الانستغرام، كنت قد دأبت على كتابتها منذ 6 سنوات في كل رمضان، وإن كنت قد عزمت على مشاركت ما كتبته هذه السنة دون تعديل أو تمحيص. هي ليست مقالات أكاديمية بقدر ماهي خواطر قد يكون بها مايفيدُ أو يثير بعض الأسئلة المعرفية. والهدف الأساسي هو التعلم منها ( على المستوى الشخصي) ومشاركتها مع مقربين بغرض المدارسة والتفكير.. وهي أيضا تدريب لذاكرتي ومحاولة تدارك ما تلف منها!
مؤخرا أثار أحد الباحثين فكرة مفادها إشكالية متعلقة بأن الله قد اصطفى ملّةً واحدة هي ملّة إبراهيم. وهذه الملّة تفرّعت إلى 3 شرائع هي: الإسلام، المسيحية، اليهودية . وهذه الشرائع الثلاث “اكتسبتْ صفة العالمية، الديمومية، والإستمرار”. وعلى هذا فمن التزم إحدى هذه الثلاث يكون قد وافق مراد الخالق…
طبعاً، تكييف هذه الأطروحة يبدو أنه قد رُبط بما يُسمى مشروع “الديانة الإبراهيمية”، وهو ما يرى فيه البعض مشروعا سياسيا أكثر منه نظرية أو أطروحة تستحق الدراسة.
على المستوى الشخصي كنتُ سأكون حاملاً قلبَ ابن عربّي حين يغني :
“لقد صار قلبى قابلاً كل صورة / فمرعىً لغزلانٍ، ودير لرهبانِ
وبيتٌ لأوثانٍ، وكعبة طائفٍ / وألواح توراةٍ، ومصحف قرآن”
وأطوف بين هذه الشرائع الثلاثة، بل وخارجها… ولكنْ حين حضرتُ الحوار الذي أُجْرِيَ مع رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق : نفتالي بينيت، في إحدى الجامعات الأمريكية قبل أسبوع، وحين سمعته بأذني يتحدث عن مشروع ” الديانة الإبراهيمية”، وأهميتها في المنطقة، وكونها تعتبر ” تحولاً جديدا في الصراع …” وأنا غاسلٌ يديّ منها جملةً وتفصيلاً.
ليس لأن الأطروحة بها مشاكل، ولكنّ لأنني أعتقد أن رئيس الوزراء الاسرائيلي لا يسعى- وربما ليس حريصا – على بعث أي مشروع تقاربي ديني، بقدر ما يسعى – كأي سياسي في مكانه- إلى تحقيق مكاسب سياسية وأمنية واقتصادية ربما.
لكن ما علاقة هذا بحديث السحر اليلة؟ وما علاقته تحديدا بالآية الكريمة أعلاه؟
على الضفة الأخرى وكلما “تكارُّ الكدحان” ( تعبير حسّاني يقصد به عند أتفهِ الأشياء)، نجد أن كثيرا من المسلمين يلجؤون إلى آية أخرى وهي :” إنَّ الدين عند الله الإسلام”مع إلصاق دلالة ضمنية بما تعنيهِ تلك الآية في نظرهم. وهي دِلالة تعطيهم الحجية لأن يُقصوا أي مفهومٍ آخر للإسلام. بما فيه – طبعا- تلك المفاهيم التي تجعله أشمل من مجرد اتباع والالتزام تشريعات بعينها(…)
والحقيقة، أن تلك الآية لا يمكن فهمها دون سياق آي القرآن الأخرى المتعلقة بها. وحينها سنجد أن مفهوم الدين والإسلام في القرآن تكرر كثيرا وفي عدة سياقات وبمعاني قد لا تعني – بالضرورة- ذلك المعنى اليتيم الذي يدّعيهِ أغلب/ عامّة الناس( مع التحفظ على مصطلح “العامّة”.) فنجده مثلا يقول على على لسان موسى: “وقال موسى ياقوم إن كنتم آمنتم بالله فعليهِ توكّلوا إن كنتم مسلمين”
وعلى لسان بلقيس :” فلمّا جاءت قيلَ أهكذا عرشك”؟ “قالتْ كأنّه هو وأتينا العلم من قبلها وكنّا مسلمين”!
“… إذ قال له ربّه أسلم قالَ أسلمتُ لربّ العالمين“، “… ويعقوب يابنِيَّ إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتنّ إلا وأنتم مسلمون”. ” قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم واسماعيل وإسحاق إلهاً واحدا ونحنُ له مسلمون“. وعلى لسان حواريّي عيسى:”…نحن أنصارُ اللهِ آمنّا بالله واشهدْ بأنّا مسلمون“…
وغير مثل هذه الآيات كثير، ولا أعتقد أنه يمكن وضع دلالة واحدة للإسلام خارج مفهوم هذه الآيات مجتمعة( ثم إني لا أريد الدخول في هذا الآن لأني قد أفردت له مسودة مستقلة متعلقة بمفهوم “المسلم” و”غير المسلم”).
أما هذه الآية – موضوع حديثنا الليلة- فهي تركزّ على نقطة محددة مرتبطة بتعريف الدّين. وتجعله مربوطاً بالقيّم. “دينا قيّماً) والقيّم هي جمعُ مفردة “قيمة“. والمعنى كما هو متكرّر وأشار إليه الرازي هو ” أي ديناً ذا قيّم”. وسواء ذهبتَ مع هذا التفسير أو مع غيره، فإنك لابدّ أن تقف عند منظومة القيّم التي يدور حولها الإسلام( العدل، الحق، الخير ، الإحسان، الرحمة، الإصلاح، النهي عن الفساد) ..إلخ، والتي لا يكون له معنى بدونها.
وإذا كان الأمرُ كذلك فقد يكون من الجدير أن نعيد التفكير في مفهومنا لـلإسلام. بعيداً عن تصوّراتِ الوُعاظِ وتخيّلات “العامّة” وتلك هي خاتمة حديث السحّر لليلة التاسعة.